أقمار المشتري ، دورة مكثفة في علم الفلك


Jupiter’s Moons: Crash Course Astronomy #17

كما شاهدنا في الحلقة السابقة، المشتري

أكبر وأكثر كواكب النظام الشمسي كثافة.

ذلك يعني أنّ له مجال جاذبية قوي جدًا،

ويمكنه جذب أقمار كثيرة حوله.

وأعني الكثير! فبينما نسجل هذه الحلقة

تم تأكيد وجود 67 قمر له.

ويعتمد عددها على مدى صغر الجسم

الذي تودون تصنيفه “قمرًا”.

وجّه غاليليو مقرابه نحو المشتري عام 1610

وشهد ثورة علمية، بالمعنى الحرفي!

رأى 3 نجوم صغيرة مصطفة حول المشتري،

نجوم متحركة عجز عن رؤيتها بالعين.

ورأى بعد أسبوع نجمًا رابعًا

فعلم أنّه يرى أجسامًا

تجول في مدار حول المشتري.

أثبت ذلك أنّ المجموعة الشمسية

لا تدور حول الأرض. وكان اكتشافًا مهمًا.

تُدعى الأقمار الأربعة أقمار غاليليو

تكريمًا له. ليست ثمارًا سيئة لجهود أسبوع.

والأقمار الأربعة كبيرة جدًا.

فلولا تغطية وهج المشتري لها، لرأيناها.

وكنّا في تلك الحالة سنظنّها كواكب أيضًا.

أكبر أقمار المشتري هو غانميد.

قطره 5270 كم وهو أكبر أقمار الكواكب.

كما أنّه أكبر من كوكب عطارد،

فحجمه في المنتصف بين عطارد والمريخ!

كما أنّ الحجم ليس الصفة الكوكبية الوحيدة

لغانميد. فمعظمه من الصخور والجليد.

ولكنّه قد يحتوي على لب حديدي سائل،

ويولّد هذا اللب السائل حقلًا مغناطيسيًا.

إنّ شكل سطحه مماثل لقمرنا

وذلك بالتضاريس الأخدودية القديمة جدًا

بالإضافة إلى مناطق أكثر سلاسة ويُفعًا.

كما تملأ غانميد الأخاديد الضخمة.

ليس مصدر تلك الأخاديد واضحًا، ولكنّه

قد يكون مرتبطًا بالإجهاد والمد على سطحه

الذي تسببه أقمار المُشتري الضخمة الأخرى

أثناء دورانها حوله واقترابها من بعضها.

كما أنّ هناك مفاجأة تحت سطح غانميد:

وهي المحيطات المائية!

قياسات مجال غانميد التي أجرتها مركبة

غاليليو الفضائية عام 1990،

بالإضافة إلى ترصدات هابل للقمر غانميد،

تشير لوجود مياه سائلة ومالحة تحت سطحه.

وكما سنرى بعد قليل،

فهي ليست ميزة حصرية به.

ثاني أكبر قمر هو كاليستو،

قطره 4800 كم ويشبه أخاه غنميد كثيرًا

لأنّه مكون من الصخور والجليد في المجمل.

ونُرجح أنّ له لبًا صخريًا،

فوقه طبقة مختلطة من الصخر والجليد.

معظم سطحه جليدي ولكنّه مختلط بمادة داكنة.

إنّ له مجال مغناطيسي كذلك

ولكنّ لبه ليس حديديًا على الأغلب.

سطحه كثيف بالأخاديد

ولا أثر فيه للبراكين أو النشاط التكتوني.

ذلك يعني أنّ السطح قديم جدًا

وقد يكون بقِدَم القمر كاليستو.

كما أنّ له مجال جوي ولكنه رقيق:

ويعادل ضغطه الجوي

واحد من مليون من ضغط هواء الأرض!

مدار كاليستو حول المشتري أبعد من نظرائه،

فهو يبعد عنه 2 مليون كم تقريبًا.

تلك مسافة كافية للتفاعل مع نظرائه:

فعندما نتحدث عن تأثير الأقمار ببعضها،

نجد الأقمار الثلاثة الأخرى هي المتأثرة.

القمر التالي هو أيو. وهو أكبر قليلًا

من قمرنا ويدور بقرب شديد من المشتري

بحيث يتطلب دورانه حول الكوكب

يومًا ونصف تقريبًا.

عندما عبر مسبار الفضاء فوياجر 1

قرب أيو عام 1979، أظهرت صوره سطحًا غريبًا.

كان لونه أصفرًا وبرتقاليًا وأحمرًا وأسودًا،

ولم تظهر عليه أخاديد اصطدام واضحة.

لاحظت المهندسة ليندا مورابيدو

في إحدى الصور

ما يبدو قمرًا آخرًا خلف أيو

مخسوفًا جزئيًا خلفه، ولكنّه لم يكن قمرًا:

بل صورة ثوران بركاني على سطح أيو،

وكان محتواه ينبثق على السطح

مشكلًا قوسًا عريضًا.

أيو هو أكثر أجسام النظام الشمسي اضطرابًا

بالبراكين، وفيه أكثر من 400 بركان نشط.

وتثور منها أعداد كبيرة في كل لحظة،

فحتى الصور الملتقطة ضمن شهور متفرقة

تُظهر تغييرات على سطحه

نتجت من المواد المقذوفة.

كثير من المواد المقذوفة غنية بالكبريت،

ولذلك يتلون سطحه بكل تلك الألوان.

الأقمار الأخرى

هي مصدر طاقة كل تلك النشاطات:

فهي تتمدد عندما تعبر مداراتها حول أيو

ويسخن لبّها عبر الاحتكاك.

وينتهي المطاف بجزء كبير من الكبريت

كطبقة جوية رقيقة حول أيو،

ثمّ يلتقط الحقل المغناطيسي للمشتري

جزيئات الكبريت بعبور أيو حوله

فيجعلها تتسارع كثيرًا. وصنع هذا الأمر

حُزمًا إشعاعية حول المشتري بشكل دونات.

إنّها مثل أحزمة فان ألن الأرضية

ولكنّها أكثر قوة.

وإشعاعاتها شديدة التركيز

ويمكنها قتل إنسان غير محمي بدقائق.

وبالطبع، إن طفتم الفضاء قرب المشتري

بلا حماية، ستواجهون مشاكل أخرى.

وهناك أمر آخر: غانميد وأيو

متصلان مغناطيسيًا بالمشتري.

تتدفق الجزيئات المشحونة من القمرين

إلى المشتري في المجال المغناطيسي،

التي تصطدم عند قطبي المشتري،

كما تفعل الأرض بجزيئات النظام الشمسي.

ويشكل هذا الأمر الشفق القطبي على الأرض،

أي الشفق الشمالي والجنوبي،

وذلك ما يحدث في المشتري أيضًا.

كما يمكنكم رؤية الوهج فوق البنفسجي

حيث يرتبط كلا القمرين بالمشتري:

عبر آثارهما المغناطيسية في غلافه الجوي!

وننتقل الآن إلى يوروبا،

وهو أصغر أقمار غاليليو وأكثرها إثارة.

إنّه أصغر قليلًا من قمرنا،

وعُرف طوال عقود بشدة انعكاس سطحه،

أي أنّ سطحه كان مليئًا بالجليد المائي.

ورغم ذلك، كانت ترصدات فوياجر مفاجئة.

إذ أنّها أظهرت سطحًا خاليًا من الأخاديد،

وذلك يعني أنّ هناك مواد صعدت إلى السطح

كما حدث في أيو أو الزُهرة،

ولكنّ يوروبا خال من البراكين.

والمثير أنّ سطح هذا القمر

مغطى بشقوق وأشرطة طويلة وحواف مُعقدة.

يبدو أنّ مصدر هذه المعالم وغيرها

مواد تتدفق من داخل يوروبا لتشكل السطح

كما تفعل الحمم البركانية في الأرض.

ولكنّ المادة في هذه الحالة هي الماء.

يُعتقدُ أنّ ليوروبا محيطًا مائيًا

معزولًا تحت قشرة جليدية صُلبةٍ

ارتفاعها كيلومترات.

تسبب المياه المندفعة والمتحركة

انزياحًا في القشرة، صانعةً هذه الأشكال.

قد تكون كمية مياه يوروبا مُذهلة:

وتفوق كل كمية مياه محيطات الأرض.

ويبقى لبّ يوروبا ساخنًا،

كما هو لبّ غانميد وأيو،

بفعل المد الكوكبي من الأقمار الأخرى،

الذي يُبقي الجليد منصهرًا.

واسمعوا التالِ: الكثير من مواد يوروبا

تتألف من صخور السيليكات، كما في الأرض

وكواكب النظام الشمسي اللأخرى،

وتقع في طبقة تحت المحيط.

إن تفاعلت الطبقة مع المحيط

كما في الأرض، فقد تكون مياهها مالحة.

وتلك الشقوق القاتمة على سطح يوروبا

غنية بالأملاح والمواد العضوية.

ويعني ذلك أنها مركبات أساسها الكربون.

هذا محمس جدًا. فنحن نعتقد أنّ نشأة الحياة

على الأرض حدثت في مياه المحيط المالحة.

إن كانت هناك جزيئات أساسها الكربون

في مياه يوروبا،

ليس من الجنون التساءل إن كانت شرارة

الحياة التي حدثت هنا قد حدثت هناك أيضًا.

نعتقد أنّ في يوروبا ما يلزم لنشأة الحياة

ولكنّنا لا نمتلك دليلًا مباشرًا بعد.

اقترح البعض إرسال مسبارٍ فضائيٍ إلى يوروبا

بهدف البحث عن كائناتٍ حية.

ليهبط قرب صدعٍ جليدي ذو قشرةٍ رقيقة،

ويخترقها بطريقةٍ ما، ربما بإذابتها.

وعندها يمكن أخذ عينات كيميائية

للبحث عن آثار نشاطٍ حيوي.

أجد ذلك مُذهلًا: ففكرة وجود حياةٍ في يوروبا

وإن كانت حياةً ميكروبية،

مسألة جادّة بالنسبة لعلماء الأحياء الفلكي

الذين يدرسون احتمال وجود حياة في الفضاء.

كان الأمر خيالًا علميًا في السابق.

ولكنّه أصبح الآن موضوع بحثٍ علمي.

لعلماء الفلك مبدأ يُدعى نطاق صالح للحياة:

وهو مسافة الكوكب عن نجمه

حيث يُمكن لحرارة سطح الكوكب

مساندة المياه السائلة.

إنّه مبدأ مشوش: فالزُهرة والمريخ

يقعان في مجال الشمس الصالح للحياة،

ولكنّ الزُهرة حارًة جدًا والمريخ بارد جدًا

وليس فيهما ماء سائل. فالغلاف الجوي مهم.

ما يزال هذا المبدأ مفيدًا

كقاعدة عامة بشأن قابلية الحياة.

ولكنّ يوروبا غيّر ذلك المبدأ.

فالمُشتري بعيد جدًا عن مجالِ الحياة للشمس،

ورغم ذلك فإنّ في يوروبا ماء كثير.

إنّه مَثل رائعُ لوجوب منح أفكارنا الفرصة،

بحيث تفكر خارج نطاق الحدود التي نضعها.

عند بحثنا عن آثار حياة

على كواكب دوّارة حول النجوم أخرى،

علينا تقبل احتمال وجود حياةٍ

لم نفكر فيها سابقًا.

تلك هي الأقمار الكبيرة الأربعة للمُشتري

وقطر كلّ منها آلاف الكيلومترات.

يُرجح أنّها تشكّلت مع المُشتري،

واندمجت بفعل الدوامات والجَدلات حوله

عندما تشكّل قبل مليارات السنين.

ولكنّ لهذا الكوكب عشرات أخرى من الأقمار.

والعامل المشترك الوحيد بينها

هو أنّها عالقة في مدى المُشتري:

وتدور مرة واحدة جميعًا في دورتها حوله.

مد المُشتري أقوى مئات المرات من مد الأرض،

ولا يُفاجئنا ذلك.

أكبر قمر يلي الأربعة الكبيرة

أصغر منها بكثير: واسمه أمالثيا.

إنّه كتلة متفاوتة الشكل قطرها 250 كم

اكتُشِف عام 1892، وهو ملوث بكبريت أيو.

ويدور من بُعد 100 ألف كم

عن قمم سحب المُشتري:

إن وقفتم على سطح أمالثيا،

فستجدون المُشتري يملأ نصف السماء.

وتزداد الأقمار صِغرًا وتفاوتًا بعده،

مثل الأقمار هيماليا وثيبي وإلارا

وباسيفيه وحتى هيغامني وكاليه

وكاليتشوريي، وهي بحجم التلال.

تدور كثير من أقمار المُشتري البعيدة

وغير متسقة الأشكال عكسيًا حوله بالمقارنة.

ضمن ما نسميه مدارات عكسية. ربّما هي

أجرام سماوية من أحزمة أجرامٍ قريبة.

لكثير من الأقمار

خصائص مدارية متشابهة جدًا،

وقد يشير ذلك إلى أنّها كانت جسمًا واحدًا

ثمّ تفككت.

وتدور مجموعات مثلها حول المُشتري.

قطر أصغر الأقمار التي رأيناها 1 كم.

لو كانت على سطح الأرض

لكان من الصعب الصعود عليها بدراجة هوائية

ولكنّها عندما تدور حول المُشتري

بالكاد تُصنّف أكثر من ركام.

هناك آلاف الأقمار بحجم منازل تدور حوله.

ومَن يعلم؟ قد تكون هناك الملايين منها

بحجم كرة تنس.

هل ينبغي أن نصنفها أقمارًا؟ ربما.

ولكنني لا أدع ذلك يُقلقني.

فالمهم أنّ نتذكر أنّ هذه عوالم،

صغيرة وكبيرة،

كلّ منها مُبهر وثري ومتنوع.

وما يزال هناك الكثير لنستكشفه عنها.

تعلمتم اليوم أنّ للمُشتري أقمارًا كثيرة،

وأربعة أقمار كبيرة.

تتألف في المجمل من صخور وجليد،

ولكنّ لبّ غانميد، وهو أكبرها حجمًا، حديدي.

كما تملأ أيو البراكين، وليوروبا محيطًا

تحت قشرته يُشكل مصدر دراسات مركزة

للعلماء الباحثين عن الحياة في الفضاء.

أيو ويوروبا وغانميد قريبة من بعضها

بما يكفي لتتفاعل مع جاذبية بعضها،

مزودة لبّ كلّ منها بالحرارة.

هناك الكثير من الأقمار الأصغر،

ولكنّنا لا نعلم عنها الكثير حاليًا.

أنتِجَ هذا البرنامج بالتعاون من أستوديوهات

PBS Digital,

زوروا قناتهم لاكتشاف المزيد.

هذه الحلقة من تأليفي فيل بليت

وحرر النص بليك دي باستينو وتمت باستشارة

دكتورة مشيل ثالر وإخراج نيكولاس جنكنز

ومونتاج نكول سويني،

والرسومات من إعداد فريق Thought Café.

اترك تعليقاً