تحدثت في الحلقة الماضية
عن النجوم التي تدور حول بعضها البعض
إذا دار نجمان حول بعضهما يسميان نجمًا ثنائيًا
وإذا كانت ثلاثة نجوم، فنجماً ثلاثيًا وهكذا.
لكن ما النتيجة
إن كان لديك عشرة نجوم أو ألف أو مليون؟
ماذا نطلق على النجوم المتجمعة سوية؟
يحتمل أن تولد بعض النجوم منفردة لكن يعتقد
علماء الفلك أن معظمها تولد بما يسمى تجمعات
تحتوي الواحدة منها
على مئات أو حتى مئات آلاف النجوم.
هناك نوعان من التجمعات
المفتوحة أو المبعثرة، والمغلقة.
تتكون التجمعات النجمية المفتوحة من عشرات
أو آلاف النجوم المتبعثرة بغير انتظام بالعادة
يكون بعضها كبيرًا أو قريبًا
بما يكفي ليُرى بالعين المجردة
كبقعة خافتة غير واضحة في السماء. كان غاليليو
أول من اكتشف أو على الأقل وثق حقيقة
تكونها من نجوم عدة مقتربة جدًا من بعضها
لدرجة أن العين المجردة لا ترى المسافات بينها.
كما سنرى في حلقة الأسبوع القادم
تتكون التجمعات من سحب ضخمة من الغاز والغبار.
وبحسب الظروف، مثلاً ضخامة السحب،
تتشكل منها عشرات أو مئات أو ألوف الكتل
التي تنكمش فيما بعد
لتكوّن نجومًا منفردة.
تتجمع النجوم معًا بفعل جاذبية كل منها
مشكّلة تجمعًا مفتوحًا.
وبخلاف النظام الشمسي الذي تكون فيه الشمس
المصدر الرئيسي والأحادي للجاذبية
وتخضع له الكواكب، فإن النجوم جميعها
في التجمع تسهم في الجاذبية
أي أن هناك توزعًا في الجاذبية.
تدور النجوم كلها حول الوسط الكتلي للتجمع
حتى لو كان الوسط خاليًا.
وفوق ذلك فإن النجوم
لا تدور في مدارات مستوية مثل كواكبنا
بل إن مداراتها تميل في شتى الاتجاهات
مثلما تتبعثر المذنبات طويلة المدى حول الشمس.
يبلغ طول التجمعات المفتوحة
في العادة حوالي 25 سنة ضوئية
تكون فيه النجوم أقرب مما تكون بالفضاء النجمي
فأقرب نجم للشمس نعرفه يبعد عنها 4 سنين ضوئية
أما في التجمعات المفتوحة فيبعد النجم عن الآخر
في العادة جزءاً بسيطًا من السنة الضوئية.
بعض التجمعات صغير في السن جداً
على الأقل من وجهة نظر فلكية
إذ يبلغ عمرها بضعة ملايين السنين
وغيرها أكبر بكثير ويصل عمره مليارات السنين.
كيف توصلنا لذلك؟ عن طريق النظر للنجوم
إذ إن النجوم الزرقاء الساخنة تنفجر سريعًا.
لذا، إن كان في تجمع نجوم زرقاء
يعني هذا أن التجمع صغير في السن.
أما إن كانت النجوم قزمة حمراء صغيرة الكتلة
فالتجمع أكبر بالسن إذ ماتت نجومه الأضخم.
إن التجمعات بذلك تفيدنا كثيرًا
إن افترضنا أن نجوم تجمع وُلدت في الوقت نفسه
وهذا افتراض مبدئي منطقي، فيمكن معرفة عمر
التجمع بالنظر لأضخم النجوم في التسلسل الرئيس
التي ما زالت تحول الهيدروجين لهيليوم كالشمس.
تُعرف أضخم النجوم عن طريق أطيافها
والتي تعطينا كتلتها
التي نستخدمها لتحديد عمر التجمع.
قد تتوقع وجود أعمار متفاوتة للتجمعات
صغيرة وكبيرة وأخرى في متوسط العمر
إلا أن الحقيقة أن معظم التجمعات صغيرة سنًا
وقليل منها يزيد عمره عن 50 مليون سنة
وهذا لأنها تتبخر.
تتفاعل جميع نجوم التجمع مع بعضها البعض
عن طريق الجاذبية
هذا يعني أنها تجذب بعضها البعض
وتغير مسارات بعضها بشكل مستمر
وقد تتذكرون من حلقتنا عن الجاذبية
أن مدار مجسم يعتمد على كمية الطاقة لديه.
إن زادت طاقته اتسع مداره
وبزيادتها أكثر يصل سرعة الإفلات من الجاذبية.
تمر النجوم ببعضها في التجمعات النجمية
وتتبادل الطاقة عن طريق جاذبيتها.
إن مر نجم كتلته قليلة بآخر كتلته أعلى
قد ترتفع طاقته كثيرة
وبالتالي يصبح مداره أعلى في التجمع
أما النجم ذو الكتلة الأعلى
فيفقد الطاقة ويصغر مداره ليقترب من الوسط.
ومع مرور الوقت، تؤدي هذه التفاعلات
لطرد النجوم الأقل كتلة من التجمع كله
فيفقد التجمع نجومًا، بدءاً بالأصغر
سرعان ما يتبعها الأكبر بعد أن تُطرد،
ويبقى في النهاية
النجوم الأضخم كتلة والتي تنفجر.
حتى حينها، تتفاعل النجوم النيوترونية
والثقوب السوداء المتبقية معًا طاردة بعضها.
يسرع هذه العملية الاصطدام بسحب الغازات
وقوى المد والجزر لنجوم التجمع نفسها،
ومع مرور الوقت الكافي يختفي التجمع
وتبقى النجوم المنفردة
تدور حول المجرة وحدها.
هناك حوالي ألف تجمع مفتوح معروف
إلا أن أيامها معدودة
فبعد ملايين السنين سوف تختفي وتتبعثر نجومها
على مدى عشرات آلاف السنين الضوئية
وتنضم لباقي معشر النجوم في الفضاء
لذا، راقبوها الآن قبل أن تختفي.
الثريا أحد أشهر التجمعات المفتوحة وأجملها
ويبعد عن الأرض حوالي 500 سنة ضوئية.
تبدو الثريا للعين المجردة
كمجموعة متراصة صغيرة من ستة نجوم
حتى أن البعض يسميها الأخوات السبعة.
يمكننا رؤية عشرات النجوم فيها بالمنظار
يبدو معظمها لونه أزرق
لكن هذا ما نسميه في العلم
بأثر أو انحيازية الانتقاء
حيث نرى النجوم الزرقاء بسهولة لشدة سطوعها
أما الحمراء فيمكن رؤيتها بالتلسكوب.
يكشف لنا التفحص الطويل للثريا عن مفاجأة
هي أن النجوم متضمنة في سحابة غبار
تسطع بلون أزرق
بفعل ضوء النجوم المنعكس والمتشتت.
كنت أظن ذلك في صغري بقايا عملية تشكل النجوم
أما الآن فنحن نعرف أنها صدفة.
فصدفةً، يصطدم التجمع
بسحابة غبار غير مرتبطة به
كأنك مثلاً قدت سيارة عبر سحابة غبار
خلّفتها شاحنة مرت بك قبلاً.
وبصدفة أخرى تقع الثريا
بجانب تجمع آخر في السماء يدعى القلائص
وهو التجمع الآخر الوحيد الذي يمكن رؤية نجومه
بالعين المجردة، وهو أقرب ويبدو أكبر
بل إنها تشكل قرني ثور كوكبة الثور المميزين
اللذين يبدوان مثل الرقم 7.
بما أنني أستمتع بمراقبة السماء بالتلسكوب
فأنا معجب بالتجمعات المفتوحة
وبعض منها مفضل لدي عندما أخرج بالهواء الطلق
فأنا أحب مراقبة الثريا بالمنظار
و M35 أسفل الجوزاء في الشتاء
بالتلسكوب.
لكن، بالرغم من متعة إيجادها وجمالها للناظرين
فهي لا تقارن بالتجمعات المغلقة.
في التجمعات المغلقة
مئات آلاف النجوم وليس الآلاف فقط
تصنع معًا شكلاً كرويًا، لهذا نسميها بالمغلقة
ولديها لب محدد في العادة
تتبعثر حوله النجوم في هالة
تتلاشى كلما ابتعدت عن المنتصف.
معظم التجمعات المغلقة تفوق المفتوحة حجمًا
فقد يبلغ قطرها مئة سنة ضوئية
إلا أنه يصعب قياس حجمها
لصعوبة تحديد حافتها.
على غرار التجمعات المفتوحة، فإن النجوم فيها
تدور بكافة الاتجاهات كالنحل حول الخلية.
لكن على خلاف التجمعات المفتوحة
فإن التجمعات المغلقة كبيرة جداً في السن
إذ يفوق عمر معظمها 10 مليارات سنة، وهي بذلك
ربما أول ما تشكّل في الكون بعد الكون نفسه.
نعرف ذلك لأن أضخم النجوم
في التجمعات المغلقة أقل ضخامة من الشمس
وهي بذلك عاشت زمنًا طويلاً لدرجة أن نجومًا
كالشمس صارت عمالقة حمراء وماتت
وهذا يتطلب وقتًا طويلاً جداً جداً.
في نجوم التجمعات المغلقة معادن ثقيلة أقل كذلك
وهذا من مميزات النجوم الكبيرة سنًا.
تنفجر النجوم الضخمة وتتبعثر معادنها الثقيلة
في الكون، الأمر الذي يستغرق وقتًا.
تطلب تشكّل نجم كالشمس
فيه معادن ثقيلة كثيرة مليارات السنين.
تشكلت النجوم القديمة
قبل أن تتناثر هذه المعادن الثقيلة في الكون
ولهذا فإن المعادن التي فيها
أخف من معادن النجوم الأصغر كالشمس.
مع أن التجمعات المغلقة أكبر من المفتوحة
إلا أن نجومها أكثر عددًا وكثافة
ولهذا تعيش أطول من التجمعات المفتوحة
سبب آخر لعمرها الطويل هو أنها تقضي
معظم حياتها في مدارات طويلة عقدية
حيث لا يتدخل أحد في حياتها الانفرادية.
تعد التجمعات المغلقة حقل تجارب ممتاز
لعلماء الفيزياء الفلكية المختصين بالنجوم
حيث إن نجومها جميعاً ولدت بالوقت ذاته
ولها العمر نفسه وتبتعد عن الأرض المسافة نفسها
فإن رأيت أحد نجوم تجمع مغلق
ساطعًا ضعف سطوع آخر
فهو فعلاً ساطع بمقدار الضعف
وهذا مفيد عند مقارنة خصائص النجوم الأخرى.
ولأن التجمعات المغلقة كبيرة جداً في السن
فإن فيها نجومًا ميتة كثيرة
فنجد فيها بعض الأقزام البيض
والنجوم النيوترونية والثقوب السوداء
وإن كان فيها نجومًا عادية
فإن مادتها تُنتزع وتهوي مطلقة أشعة سينية.
والنجوم الطبيعية المتبقية حمراء كتلتها منخفضة
لهذا تبدو التجمعات المغلقة حمراء اللون.
لسبب غريب، هناك نجوم زرقاء في التجمعات
المغلقة تدعى النجوم الزرقاء المشردة
وكانت في البداية لغزاً لعدم إمكانية وجودها
في تجمع كبير بالسن كهذا
إلا أن علماء الفلك اكتشفوا أنها نجوم اصطدمت
واندمجت معًا في نجم واحد كتلته أعلى
هذه الاصطدامات نادرة جداً في الفضاء
لكن السبب هو تراص نجوم التجمعات المغلقة
الأمر الذي يجعل حدوثها أكثر شيوعًا.
هناك 150 تجمعًا مغلقًا اكتُشف حتى الآن
يدور حول مجرة درب التبانة
وهو مجموعتنا النجمية الخاصة
التي سنخوض في تفاصيلها في حلقة قريبة،
لكن المجرات الأخرى تدور حولها تجمعات أكثر،
وكثير منها لديه عدة مئات أو حتى آلاف منها.
التجمعات المغلقة إحدى الأجرام
التي أحب مراقبتها بتلسكوب صغير،
فهي ساطعة ومتراصة، والأثر المتلاشي الذي يشكّله
تراص نجومها تصبغ عليها وهمًا حركيًا
كأنها، من جديد، نحل يدور حول خليته.
إنها جميلة للغاية.
وهذا إن نظرت إليها
من على بعد عشرات آلاف السنين الضوئية
تخيل لو أنك نظرت إليها من كوكب
يدور حول نجم داخل التجمع!
ستكون السماء مملوءة بالنجوم، العشرات منها
لقربها وسطوعها تبدو أوضح من الزهرة في سمائنا.
قد تتمكن من القراءة
في الليل على ضوء النجوم!
لكن هذا المنظر الخيالي
أقرب للخيال العلمي منه إلى العلم.
تفتقد نجوم التجمعات المغلقة للمعادن الثقيلة
لذا فمن المستبعد تشكيلها لكواكب كالأرض.
كما أن النجوم متراصة لدرجة تجعل تقاربها
يقذف أي كواكب تشكل بالفعل بعيدًا.
إنه مشهد مدهش
لكنه على الأرجح سيبقى محض خيال.
تعلمت اليوم أن التجمعات المفتوحة
تضم مئات أو آلاف النجوم بفعل الجاذبية.
وهي تجمعات صغيرة في السن وتتبخر مع الزمن
وتبقى نجومها تجوب الفضاء بحرية.
أما التجمعات المغلقة فهي أكبر
وشكلها أكثر كروية وفيها مئات آلاف النجوم
كما أنها كبيرة جدًا في السن
وتقترب من عمر الكون
ما يعني أن في نجومها معادن ثقيلة أقل
ولونها يميل للأحمر
وهي على الأرجح لا تحتوي على الكواكب
لكننا غير متأكدون من ذلك.
Crash Course Astronomy منتج
بالتعاون مع PBS Digital Studios.
زوروا قناتهم لمشاهدة فيديوهات رائعة أخرى.
هذه الحلقة من كتابتي أنا، فيل بلايت،
وحرر النص بلايك دي باستينو
ومستشارتنا هي الدكتورة ميشيل ثالر.
أخرج الحلقة نيكولاس جينكينز والمونتاج من
إعداد نيكول سويني ومصمم الصوت هو مايكل أراندا
وفريق الرسومات Thought Café.