نحن نعيش… على كوكب!
قد يبدو ذلك بديهيًا،
لكن هذه ليست حالة الكون الطبيعية
أو هذه ليست الحالة المعتادة على الأقل،
فمعظم الكون فارغ إلى حد كبير،
ولهذا نسميه “الفضاء”.
وإن نقلتكم سحريًا إلى مكان عشوائي في الكون،
فستجدون أنفسكم على بعد مليون سنة ضوئية
من أقرب جُرم سماوي كبير على الأرجح.
لقد شوّه تطوّرنا على كوكب
إدراكنا للفيزياء. فإن رميت شيئا بعيدًا عني،
سيعود إليّ. وهذا غريب، إذ يجدر به
أن يتابع سيره بعيدًا عني بسرعة ثابتة.
لكن بدلاً من ذلك، إنه يتجه إلى الأعلى
ثم يبطئ سرعته ثم يتوقف وبعدها يقع باتجاهي.
الفرق بين العيش على سطح كوكب
والتواجد في الفضاء السحيق هو الجاذبية.
تأثير جاذبية الأجسام يستمر إلى المالانهاية،
لكنه يضعف بسرعة كلما كبرت المسافة.
جاذبية الأرض متناهية الصغر على بعد مليارات
السنوات الضوئية، ولكنها جبارة هنا على الأرض.
ويمكن أن تكون قوتها أكبر بكثير
في بعض الأماكن مما نشعر به هنا على السطح.
لطالما كانت الجاذبية من المسلَمات،
لم تكن مفهومة ولا مدروسة عن كثب.
بدأ علماء مثل روبرت هوك وإسحاق نيوتن بفحصها
باستخدام الرياضيات في منتصف القرن الـ17.
في الحقيقة، تنازعا بضراوة
حول من طرح أي فكرة أولاً.
لكن أي كان من فهم الأمر بشكل صحيح أولاً،
ما يهم هو أننا نفهم الآن بشكل أفضل بكثير
كيف تعمل الجاذبية.
لكن قبل أن نتطرق إلى الجاذبية
علينا فهم مفهوم متكرر وهو الكتلة.
يصعب تعريفها بعض الشيء، لكن يمكن تفسيرها
ككمية المكونات تكون جسمًا معيّنًا.
أدرك أن هذا ليس تعريفًا علميًا حقًا،
لكنها ليست طريقة سيئة للتفكير بها.
إن كان شيء يملك كتلة أكبر،
فإنه يتكون من أشياء أكثر.
لا علاقة للحجم بذلك، إذ قد يكون لجسمين الكتلة
نفسها لكن يمكن أن أحدهما أكبر بكثير من الآخر.
وفي تلك الحالة،
تكون كتلة الجسم الأكبر منتشرة أكثر.
لذا نقول إن كثافتها أقل، حيث أن الكثافة
هي مقدار الكتلة الموجودة في حجم معين.
بالمصطلحات العلمية، تشير الكتلة
إلى مدى مقاومة الجسم لتغيّر حركته.
يصعب تحريك جسم يمتلك كتلة أكبر
من جسم يمتلك كتلة أصغر.
وهذا أمر جلي، تلاحظونه إن سبق وحاولتم
دفع شاحنة لعبة مقابل دفع شاحنة حقيقية.
لكن يمكن تعريف الكتلة أيضًا من خلال الجاذبية.
كل ما له كتلة، له جاذبية أيضًا،
ويمكنه فرض هذه القوة على جسم آخر.
يعتمد حجم القوة التي تشعرون بها جراء جاذبية
جسم ما، ككوكب مثلاً، على ثلاثة أشياء:
مقدار كتلته، ومقدار كتلتكم،
ومقدار المسافة التي تفصل بينكما.
في الحقيقة، للمسافة الأهمية العظمى هنا،
إذ تنخفض قوة الجاذبية مع مربّع المسافة.
إن ضاعفتم المسافة بينكم وبين جسم ما،
ستنخفض قوة الجاذبية بمقدار 2 في 2، أي 4 مرات.
إن ابتعدتم بعشرة أضعاف،
ستنخفض القوة بمقدار 10 في 10، أي 100 مرة.
والجاذبية جاذبة أيضًا، فيمكنها أن تسحب
الأجسام فقط، وليس أن تدفعها بعيدًا.
لكن كيفية جذبها للأجسام هو الأمر الممتع.
إن ألقيت بصخرة من يدي، سترتطم بالأرض.
لكن ما قد تصعب رؤيته
هو أن سرعتها تزيد بازدياد مسافة وقوعها.
تسرّع القوى الأجسام،
فكلما ازدادت مدة تأثير القوة، كلما تغيرت
سرعة الجسم، وفي هذه الحال تتسارع أكثر.
إن ألقيت بصخرة من مكان أعلى،
ستتحرك بشكل أسرع عندما ترتطم بالأرض.
تؤثر قوى أخرى على الأجسام المتحركة أيضًا،
كالاحتكاك ومقاومة الهواء، وتقاوم الجاذبية
وتجعل رؤية هذا التسارع أمرًا صعبًا.
لكن تصبح قوة الجاذبية واضحة جدًا في الفضاء.
سيجذب أي جسمين لهما كتله بعضهما.
وفي غياب تأثير أي قوى أخرى عليهما،
سيتسارعان تجاه بعضهما حتى يلتقيان.
لكن تذكروا أن قوة الجاذبية تعتمد على الكتلة.
إن كانت إحدى الكتلتين ضخمة والأخرى صغيرة
فستجذب الكتلة الأكبر الكتلة الأصغر عمليًا.
ستتحرك الكتلة الأكبر بالفعل،
لكن أقل بكثير من الكتلة الأخرى.
عندما تتحرك الأجسام بحرية
تحت تأثير الجاذبية، نقول إنها في المدار.
قد لا يكون أبسط أنواع المدارات ما تعتقدونه،
فهو مجرد خط في الواقع.
إن أوقعتم صخرة، ستكون في المدار لفترة وجيزة.
وبتجاهل قوى أخرى مثل دوران الأرض،
الذي يضيف حركة جانبية صغيرة، فإن الفارق
صغير كفاية لنقول إن الصخرة تسقط بشكل مستقيم
ويتوقف سقوطها لأن الأرض تعترض طريقها.
هذا ليس مدارًا مثيرًا للاهتمام كثيرًا.
لذا ماذا لو عوضًا عن إسقاط صخرة، قمنا برميها؟
يضيف ذلك حركة جانبية صغيرة لها.
لذا بدلاً من أن ترتطم بالأرض عند قدميّ،
تقع على مسافة أبعد بقليل.
وإن رميتها بقوة أكبر، تتحرك أفقيًا لمسافة أكبر
قبل أن تسقط.
وماذا لو رميتها بقوة جبارة؟
هنا يحين دور عبقرية نيوتن. فقد أدرك
أنه إن رمينا الكرة بشكل جانبي وبقوة كافية،
فستقع بالمعدل نفسه
الذي تنحني به الأرض من تحتها.
وكما كتب دوغلاس آدمز في رواية
The Hitchhiker’s Guide to the Galaxy:
“ليس الطيران سوى سقوطًا دون الارتطام بالأرض.”
واتضح أن هذا هو الدخول في مدار تمامًا.
إن ألقيت صخرة بشكلٍ جانبي وبقوة كافية
ستسقط نحو الأرض لكنها لن ترتطم بها أبدًا.
بل ستدخل في مسار دائري حولها توجهها
الجاذبية فقط. فستدور في دائرة حول الأرض،
وستحتاج إلى 90 دقيقة
لتكمل دورة واحدة حول الكوكب.
إن الدوائر عبارة عن مدارات بسيطة،
وتعتمد سرعة سير القمر في المدار
على كتلة الجسم الذي يدور حوله وبعده عنه.
وكلما ازدادت المسافة كلما انخفضت الجاذبية،
فلا يحتاج القمر إلى السير بالسرعة نفسها
ليحافظ على مداره.
منذ 400 سنة تقريبًا، أدرك الفلكي يوهانس كيبلر
أنه يمكن أن تكون للمدارات أشكال أخرى.
اكتشف أن الكواكب تدور حول الشمس بشكل إهليجي،
فيما كان يُعتقد في وقت سابق
أنها تدور بدوائر كاملة. يتشكل المدار الإهليجي
عند رمي الصخرة بشكل جانبي
بقوة أكبر من القوة التي يتطلبها تشكل
المدار الدائري، فترتفع في أحد جهات المدار
أكثر من جهة أخرى.
في الحقيقة، كلما ازدادت قوة رمي الصخرة
كلما ازداد تمدد المدار.
ويبقى مدار كهذا مغلقًا، أي أنه يكرر مساره
بينما تبقى الصخرة متصلة بالأرض بفعل الجاذبية.
لكن في مرحلة ما،
إن رمينا الصخرة بقوة كبيرة كافية،
نشهد أمرًا رائعًا:
يمكن للكرة أن تفلت من المدار.
تذكروا أن الجاذبية تضعف بازدياد المسافة.
إن رمينا الصخرة بقوة كافية،
فرغم أن الجاذبية تبطئ سرعتها،
إلا أن الجاذبية تضعف كلما ابتعدت الكرة أكثر.
وإن تمتعت الصخرة بسرعة كافية، فستَضعف الجاذبية
بسرعة أكبر من أن تستطيع إيقافها. فتفلت الصخرة
وتستمر في الابتعاد إلى الأبد.
وهذا ما نسميه بسرعة الإفلات.
تعتمد سرعة إفلات جسم ما، ككوكب أو نجمة،
على مقدار كتلته وحجمه.
اتضح أن سرعة إفلات الأرض
تساوي 11 كيلومترًا في الثانية،
وسرعة إفلات المشتري تساوي 58 كلم في الثانية،
وسرعة إفلات الشمس تساوي 600 كلم في الثانية.
مهما كانت سرعة الإفلات لموقعكم في الكون،
إن رميتم صخرة بسرعة أكبر منها،
فآمل أنكم ودعتموها، لأنها لن تعود إليكم أبدًا.
إحدى الطرق للتفكير في الأمر
هو أن الصخرة تبطئ سرعتها بشكل مستمر
وتكاد تتوقف، لكنها لا تتوقف أبدًا فعليًا. إن
استطاعت السير إلى مسافة لامتناهية، قد تتوقف.
لكن هذه رحلة طويلة بعض الشيء.
والعكس صحيح. فإن ابتعدت
عن الأرض كثيرًا ورميت صخرة، فستتسارع.
وعندما ترتطم بالكوكب، ستكون تتحرك بسرعة
توازي سرعة الإفلات أي 11 كلم في الثانية.
وإن حرّكتها إلى الجانب قليلاً،
فلن ترتطم بالأرض،
لكنها ستمرّ بجانبها بسرعة الإفلات.
مدار الإفلات مفتوح، فلن تعود الصخرة أبدًا،
وسيكون شكله كالقطع المكافئ.
ماذا لو رميتم الصخرة بقوة أكبر من ذلك؟
لن تعود الصخرة بل ستبتعد بسرعة أكبر.
يصبح شكل المدار الآن قطع زائد،
وهو كالقطع المكافئ لكنه مفتوح أكثر.
لا تتوقف الصخرة أبدًا، ولا حتى
عند مسافة لامتناهية، بل تستمر في الحركة.
وكسائر القوى، تضعف الجاذبية بازدياد المسافة.
لكن لا تقل قوتها لتصل إلى صفر أبدًا.
بل تصبح أقل فأقل كلما ازداد بعدكم عنها.
إذن، لمَ يكون رواد الفضاء الموجودون
في المحطات الفضائية عديمي الوزن؟
لا تزال الجاذبية تؤثر على رواد الفضاء،
بل في الحقيقة، في أعلى المركبة،
لم تقل جاذبية الأرض إلا قليلاً، فلا تزال
تحتفظ بـ90 بالمئة من قوتها على سطح الأرض.
إن كانوا في برج علوه 320 كيلومترًا،
سيكون وزنهم 90 بالمئة
من وزنهم على سطح الأرض.
لكن الفرق الكبير هو أن رواد الفضاء في مدار
ويسقطون حول الأرض.
فالوزن ليس قوة الجاذبية على كتلة ما فقط،
بل مدى قوة دفع سطح ما لتلك الكتلة أيضًا.
فعلى سبيل المثال، عندما نقف على الأرض،
تقوم الأرض بدفعنا، وإلا كنا لوقعنا خلالها.
فقوة دفع الأرض لكم
هي ما يجعلكم تمتلكون أوزانًا.
تغيب هذه القوة في السقوط الحر،
فنسقط بلا رادع ولذا نكون عديمي الوزن.
تفضل ناسا أن تطلق على هذه الحال
اسم “الجاذبية الصغرى”، لأن هناك قوى ضعيفة
تؤثر بنا.
هذا يبرز الفرق بين الكتلة والوزن في الحقيقة.
فكتلتكم في الفضاء
تساوي كتلتكم على الأرض،
لكن لا يكون لديكم وزن. وإن دفعكم رائد فضاء،
فيجب عليه أن يبذل طاقة. لكن إن وقفتم
على ميزان في الفضاء، لن يقيس أي وزن.
الفضاء غريب، مقارنة بالأرض على الأقل.
ثمة شيء أخير، وهو غريب حقًا:
الفوتونات، وهي جزيئات ضوئية لا تمتلك كتلة،
لكن يمكن للجاذبية أن تؤثر عليها أيضًا،
فتغيّر مسارها عندما تمرّ بقرب جسم هائل.
اتضح أنه يمكن للجاذبية أن تحني الفضاء.
فالضوء يسير على طول نسيج الفضاء
كما تسير شاحنة على طريق
لذا إن انحنت الطريق، ستنحني الشاحنة.
أعلم أن هذا مفهوم غريب.
وسنتطرق إليه بالتفصيل لاحقًا
عندما نتعمّق في سرعة الإفلات
مع الثقوب السوداء.
تعلمتم اليوم أن الجاذبية هي قوة،
وكل جسم لديه كتلة لديه جاذبية أيضًا.
تسرّع الجاذبية الأجسام التي تمتلك كتلة، وتغير
سرعتها أو اتجاهها. وعندما يتحرك جسم في مسار
تتحكم به الجاذبية، يُقال إنه في المدار.
وتختلف أنواع المدارات، فهناك خطوط مستقيمة
ودوائر وقطوع ناقصة ومكافئة وزائدة.
لا يمكن الهرب من الجاذبية أبدًا،
لكن إن سرتم بسرعة تفوق سرعة إفلات جسم ما،
ستبتعدون عنه من دون أن تسقطوا باتجاهه.
وإن كنتم في المدار، فلا يكون لكم وزن
في حالة السقوط الحر، لكنكم تحتفظون بكتلتكم.
هذه الحلقة برعاية Squarespace.
أحدث نسخة من المنصة، Squarespace Seven
تتمتع بواجهة مستخدم ذات تصمي مجديد كليًا
وتكامل من Getty Images و Google Apps
وقوالب جديدة وخاصية جديدة تُدعى Cover Pages.
جربوا Squarespace على Squarespace.com
وأدخلوا الرمز Crash Course
عند الشراء للحصول على عرض خاص.
Squarespace: ابدأوا
هنا وانطلقوا إلى حيثما تريدون.
تم إنتاج Crash Course Astronomy بالاشتراك
مع PBS Digital Studios.
يمكنك زيارة قناتهم للمزيد من الفيديوهات
الرائعة. هذه الحلقة من كتابتي أنا، فيل بلايت.
محرر النص هو بلايك دي باستينو
ومستشارنا د. ميشيل ثالر.
شارك في الإخراج نيكولاس جنكينز
ومايكل أراندا والمونتاج من إعداد نيكول سويني
وفريق الرسومات هو Thought Café.