النظام الشمسي هو الاسم الذي نطلقه على أقرب
جزء من الكون لنا. لكن للتفكير به بشكل أفضل،
إنه كل الأشياء التي تتحكم بها الجاذبية
الشمسية، أي الشمس نفسها والكواكب والأقمار
والكويكبات والمذنبات والغبار وغاز خفيف جدًا.
إن رجعتم خطوة إلى الوراء، أو تريليون خطوة
إلى الوراء، ونظرت إليه من الخارج
قد تعرّفون النظام الشمسي بأنه: الشمس.
وذلك لأن الشمس تشكل أكثر من 98 بالمئة
من كتلة النظام الشمسي بأكمله.
وثاني جسم هائل الحجم، وهو كوكب المشتري،
يساوي قطره واحد بالعشرة من قطر الشمس،
وكتلته أقل من واحد بالمئة من كتلة الشمس.
لكن هذا غير منصف بعض الشيء.
فنظامنا الشمسي مكان مدهش للغاية،
ويُمكنكم أن تعرفوا الكثير عما يجري فيه
من خلال النظر إليه فقط.
تحتم علينا استكشاف النظام الشمسي لآلاف السنين
ونحن عالقون على هذه الكرة الملتفة والدوّارة،
ألا وهي الأرض. والمشكلة كانت أننا لم نكن نعرف
أنها كرة ملتفة دوّارة لفترة طويلة.
اليونانيون القدماء عرفوا أنها على شكل كرة،
بل أنهم حسبوا حجمها لدرجة معقولة من الدقة،
لكن اعتقد معظم الناس أنها ثابتة.
عندما أنكر بعض الناس صحة هذا الأمر، مثل عالم
الفلك اليوناني القديم أرسطرخس الساموسي،
تم تجاهلهم. ففكرة التفاف السماء حول الأرض
تبدو واضحة عندما ننظر إلى الأعلى. وعندما قامت
عقول عظيمة مثل عالم الفلك بطليموس
والفيلسوف أرسطو بدعم هذه الفكرة،
تم تجاهل آراء علماء آخرين مثل أرسطرخس.
كان التفكير الأساسي هو أن القمر والشمس
والنجوم كانت ملتصقة بمجالات بلورية
تلتف حول الأرض بسرعات مختلفة.
ومع أن هذه الفكرة نجحت نوعًا ما
في توقع حركات الأجسام في السماء،
إلا أن تفاصيلها لم تكن مقنعة
ولم تكن دقيقة في تنبؤ حركة الكواكب.
ومع ذلك، بقيت فكرة بطليموس
القائمة على مركزية الأرض لأكثر من ألف سنة.
ثم في عام 1543 نشر نيكولاس كوبرنيكوس أعماله
التي تقترح نموذجًا مبنيًا على مركزية الشمس
مثل الذي حلم به أرسطرخس
قبل 2000 سنة. لكن وللأسف،
لم يكن نموذج كوبرنيكوس متوازنًا
ولم ينجح بتنبؤ حركات الكواكب.
جاء آخر دليل لينهي نظرية مركزية الأرض
بعد بضعة سنوات،
عندما قام الفلكي يوهانس كيبلر بقفزة عقلية
رائعة: فبناءً على ملاحظات معلمه تيخو براهي
أدرك كيبلر أن الكواكب تتحرك حول الشمس
بشكل إهليجي وليس دائري كما افترض كوبرنيكوس.
وهذا صحح كل شيء،
بما في ذلك الحركات الكوكبية المتصاعدة.
تطلب ذلك بعض الأمر،
إلا أن نظرية مركزية الشمس أقنعت الجميع.
ومهد ذلك الطريق لنيوتن لتطبيق الفيزياء
ورياضيات الحساب الذي وضعه حديثًا
ليحدد طريقة عمل الجاذبية،
ما أدى إلى فهمنا المعاصر
لطريقة عمل النظام الشمسي الحقيقي.
وبما أن الشمس هي أكبر جسم في النظام الشمسي
بفارق كبير، فإنها تمتلك أقوى جاذبية،
وهي تُدير النظام الشمسي. بل أن مصطلح Solar
مشتق من كلمة Sol، أي الشمس.
فقد سميّنا النظام بأكمله باسمها.
الكواكب أصغر لكنها كبيرة جدًا
بالمقارنة معنا نحن البشر صغار الحجم.
ومن الكواكب الكبيرة لدينا المشتري وهو أعرض
بـ11 مرة من الأرض، وأكبر من حجمه بألف مرة.
ومن الكواكب الصغيرة…
حسنًا، لا توجد كواكب صغيرة،
بل نقوم برسم خط ونقول: “هذه الكواكب أكبر
من تلك.” وهي عبارة غير مرضية قليلاً،
وأعترف بذلك،
لكنها تطرح نقطة مثيرة للاهتمام.
كنت أستخدم مصطلح “كوكب”
لكنني لم أعرّفه. وكنت أقصد فعل ذلك،
فلا أعتقد أن تعريفه ممكن. حاول الكثير
من الناس، لكن التعريفات لم تكن دقيقة أبدًا.
يُمكن أن نشير إلى شيء على أنه كوكب
إن كان كبيرًا لدرجة تجعل منه دائريًا،
لكن الكثير من الأقمار المستديرة،
وبعض الكويكبات كذلك.
ربما يجب أن يمتلك الكوكب أقمارًا. كلّا، فعطارد
والزهرة لا يملكانها، وكويكبات كثيرة تملكها.
الكواكب كبيرة، أليس كذلك؟ نعم.
لكن قمر المشتري غانيميد أكبر من عطارد.
فهل يجب أن يتجرد عطارد عن مكانته الكوكبية؟
القائمة تطول، لكن مهما كان تعريفكم،
ستجدون أن هناك الكثير من الاستثناءات.
وذلك مؤشر قوي جدًا
بأن محاولة الخروج بتعريف مُحدد
هو أمر خاطئ؛
فسيوقعكم ذلك بمشاكل أكثر مما سيساعد.
“الكوكب” لا يمكن تعريفه،
فهو مفهوم مثل القارة.
ليس لدينا تعريف للقارة، ولا يبدو أن الناس
يمانعون ذلك. أستراليا تعتبر قارة
لكن غرينلاند لا تُعتبر كذلك. ولا أمانع ذلك.
وذلك ما أقوله للناس إن سألوني
إن كان بلوتو كوكبًا، فأقول:
” أخبروني أولاً ما هو الكوكب
ثم يمكننا مناقشة بلوتو.” إن بلوتو ما هو عليه؛
عالم رائع ومثير للاهتمام، وأحد آلاف وربما
ملايين الأجسام التي تدور حول الشمس بعد نبتون.
أعتقد أنّه وصف رائع يعطيه حقه.
تقع جميع مدارات الكواكب ضمن قرص مُسطّح نسبيًا.
أي أنها لا تتحرك حول الشمس
في كل الاتجاهات مثل نحل حول خلية.
فمثلاً، يقع مدار عطارد
على نفس سطح مدار المشتري تقريبًا.
وذلك أمر مثير للاهتمام جدًا.
فكلما رأيتم نمطًا في مجموعة من الأجسام،
تكون الطبيعة تحاول أن تخبركم بشيء ما.
بل في الحقيقة هناك أنماط أخرى واضحة جدًا
عندما ترجعون خطوة إلى الخلف
وتنظرون إلى النظام الشمسي بأكمله.
فالكواكب الداخلية مثلاً،
كعطارد والزهرة والأرض والمريخ،
جميعها صغيرة وصخرية نسبيًا. والأربعة التالية:
المشتري وزحل وأورانوس ونبتون أكبر بكثير،
وتمتلك أغلفة جوية سميكة جدًا.
ويقع حزام الكويكبات بين المريخ والمشتري،
ويتألف من مليارات الصخور. كما أن هناك
الكثير من الكويكبات الأخرى
منتشرة في أرجاء النظام الشمسي،
ولكن يقع معظمها في الحزام الرئيسي.
ثم هناك مجموعة من الكرات
الصخرية الجليدية خارج مدار نبتون
وتدعى أجسام حزام كويبر. وأكبرها يصل حجمه
لأكثر من 1600 كيلومتر، لكن أغلبها أصغر بكثير.
وعادة ما تتبع مسار سطح الكواكب كذلك.
لكن إذا ابتعدتم أكثر
بنحو عشرات مليارات الكيلومترات من الشمس،
يندمج قرص أجسام حزام كويبر
في سحابة كروية هائلة
من الكرات الجلدية هذه وتُدعى “سحابة أورط”.
وهي لا تتبع النظام الشمسي الداخلي،
لكنها تدور في كل اتجاه.
إذن، ماذا تخبرنا كل هذه الحقائق
عن النظام الشمسي؟ نعتقد أنها ترينا إشارات
حول طريقة تشكّل النظام الشمسي.
قبل نحو 4،6 بليون سنة،
حلقت سحابة في الفضاء. كانت متوازنة،
فجاذبيتها التي تحاول أن تجعلها تنهار كانت
تواجهها حرارة داخلية ضئيلة كانت تدفعها لتطفو.
لكن حدث شيء ما بعد ذلك.
ربما ضربت بها موجة صادمة إثر انفجار نجم قريب،
أو ربما مرت سحابة أخرى بجانبها وارتطمت بها.
في كلتا الحالتين، انضغطت السحابة وخلّت توازنها
وسيطرت عليها الجاذبية وبدأت بالانهيار.
وبالتالي أصبح العزم الحركي الزاوي مهمًا،
وهو يشبه العزم العادي
عندما يحافظ الجسم المتحرك على حركته.
لكن في هذه الحالة، إنه عزم الدوران،
ويعتمد على حجم الجسم ومدى سرعته في الدوران،
وإن صغر الحجم سيزداد معدل الدوران. التشبيه
المعتاد هو متزلج على الجليد يبدأ بالدوران
ثم يضم يديه للداخل،
فيتضخم الدوران بصورة كبيرة.
يحدث الشيء نفسه في السحابة. فأي قدر صغير من
الدوران كانت تمتلكه ازدادت سرعته وهي تنهار.
وباتت مسطحة على شكل القرص،
مثل أن تدوير عجينة البيتزا في الهواء
سيجعلها مسطحة.
وبينما كانت تنهار، سقطت المواد إلى الوسط
وأصبحت سميكة وحارّة جدًا.
وفي جهة القرص الخارجية الباردة، بدأت المواد
تتكتل ببعضهما بينما ارتطمت حبيبات رملية صغيرة
ومواد أخرى مع أجزاء صغيرة أخرى بشكل عشوائي.
ومع نمو هذه الكتل، ازدادت جاذبيتها،
وبدأت بجذب المزيد من المواد.
وتدعى هذه النقط الصغيرة
كواكب مصغّرة، وهي كواكب صغيرة جدًا.
ومع ازدياد حجمها ازداد حجم مركز القرص.
والجسم الذي تشكّل هناك هو نجم أوليّ
أو الشمس الأولية. ازدادت حرارة نواتها في
النهاية لدرجة أن الهيدروجين اندمج مع الهيليوم
وهذا ينتج الكثير من الطاقة.
الكثير منها!
وبهذا وُلدت النجمة. وأخرجت الشمس الجديدة
ضوءًا وحرارة شديدين قاما على طول ملايين السنين
بتفجير بقايا مواد القرص
التي لم تتحول إلى كواكب بعد.
فنشأ النظام الشمسي.
كان الغلاف دافئا بالقرب من الشمس. فالهيدروجين
والهليوم عبارة عن غازات خفيفة جدًا،
ولم تستطع الكواكب الصغيرة الدافئة الاحتفاظ
بها. وأبعد منها كان هناك مواد أكثر في القرص
وكانت الكواكب أكبر. وبما أنها أبرد،
فبإمكانها الاحتفاظ بالغازات الخفيفة،
وازداد حجم أغلفتها بشدة، وباتت كتلتها
أكبر من المواد الصلبة في أنويتها.
وأصبحت عمالقة غازية.
كانت هناك الكثير من المياه
بعيدًا عن الشمس على شكل جليد أيضًا.
تشكلت أجسام جليدية صغيرة بعد نبتون، لكن كان
الفضاء كبيرًا وكانت المواجهات العشوائية نادرة.
لم يكبر حجمها كثيرًا، ربما مئات الكيلومترات
فقط. والكثير منها، مليارات وحتى تريليونات،
اقتربت جدًا من الكواكب الكبيرة
وقُذفت في كل مكان.
وبالقرب من الشمس، لم تتمكن المواد بين المريخ
والمشتري من استعادة توازنها لتشكل كوكبًا أيضًا.
فقد استمرت جاذبية المشتري بتحريكها
والتأثيرات بين الأجسام عملت على تفريقها
بدلاً من تجميعها.
وهكذا يتكوّن النظام الشمسي
عن طريق قرص نحتته الجاذبية.
وأصداء هذا القرص لا تزال موجودة لهذا اليوم،
ويُمكن مشاهدتها من تسطح النظام الشمسي.
وهذا ليس أمرًا تخمينيًا لأن الرياضيات والفيزياء
تدعمان هذه النظرية. وليس ذلك فحسب،
بل نراه يحدث الآن في وقتنا هذا. عندما ننظر
إلى سحب الغاز في الفضاء، فنحن نرى تشكّل النجوم
ونرى أقراصًا كوكبية أولية حولها،
ونرى الكواكب نفسها تحصل على نجمتها الخاصة.
قد نعتقد أننا نكوّن النظام الشمسي،
إلا أننا أحد الأنظمة الشمسية فحسب.
ما حدث هنا منذ فترة طويلة
يجري يوميًا في المجرة.
نحن نشكل واحدًا من مليارات هذه الأنظمة.
وتذكروا أن كل ذرة في أجسامكم،
وكل ما ترونه حولكم، كل شجرة وكل سحابة
وكل إنسان وكل حاسوب،
كل شيء على الأرض، وحتى الأرض نفسها
كانت يومًا جزءًا من تلك السحابة الكثيفة.
نحن مصنوعون من النجوم بكل معنى الكلمة.
تعلمتم اليوم أن النظام الشمسي يتكون من نجم
واحد والعديد من الكواكب والكثير من الكويكبات
والمزيد من أجسام جليدية تشبه المذنبات، وقد
تشكل من سحابة منهارة تسطحت لتصبح قرصًا،
ولهذا فإن النظام الشمسي مسطّح.
تشكلت الكواكب الصخرية بالقرب من الشمس
وتشكلت الكواكب الغازية العملاقة بعيدًا عنها.
تشكّلت أجسام جليدية بعد نبتون في قرص أيضًا،
وقُذفت الكثير منها لتُشكّل قشرة كروية حول الشمس.
نرى حدوث الشيء نفسه في المجرة أيضًا.
سببت حركات الأجسام في هذا النظام
الكثير من الارتباك لعلماء الفلك القدماء،
ولكن عرفنا طريقة عمل النظام في النهاية.
قُدمت هذه الحلقة برعاية Squarespace
والنسخة الجديدة من منصتهم Squarespace 7
تتمتع بواجهة مستخدم جديدة وتكامل
مع Getty Images و Google Apps
وقوالب جديدة وخاصيّة جديدة اسمها Cover Pages
جربوا Squarespace بزيارة Squarespace.com
وأدخلوا الرمز Crash Course من أجل عرض خاص.
Squarespace: ابدأوا هنا وانطلقوا إلى أي مكان.
تم إنتاج Crash Course Astronomy
بالتعاون مع استوديوهات PBS Digital.
زوروا قناتهم لأنهم يعرضون المزيد
من الفيديوهات الرائعة هناك.
كتبت أنا فيل بليت هذه الحلقة
وقام بتحرير النص بليك دي باستينو
ومستشارتا هي د. ميشيل ثالر، شارك
في إخراجها نيكولاس جنكينز ومايكل أراندا،
والمونتاج من إعداد نيكول سويني،
وفريق الرسومات هو Thought Café.