يُمكنك تحت سماء مظلمة
أن تشاهد آلاف النجوم، وإن شاهدتها لبعض ساعات
ستلاحظ ظهورها وغيابها
بينما تدور الأرض مرة واحدة في اليوم.
وإن خرجت في الليلة التالية بنفس الوقت
ستلاحظ أن الأشياء لم تتغير عن الليلة السابقة.
تظهر النجوم وتغيب،
ويظهر نجم الشمال في الشمال، وهكذا.
اليوم الواحد لا يُغير شيئًا تقريبًا
في مظهر السماء تقريبًا.
لكن ماذا لو انتظرت ليلة أخرى؟ أو أسبوعًا؟
إن كنت صبورًا ودقيق الملاحظة لهذه الدرجة
فستستطيع ملاحظة تغييرات طفيفة في السماء.
لنفترض مرور أسبوعين.
أتذكر تلك النجمة التي كانت فوق شجرة
في الشرق عند غروب الشمس
التي جعلتك تلاحظ أن النجوم تشرق وتغرب؟
انظر إليها مرة أخرى.
إن خرجت بنفس الوقت، ستتوقع
أن تشاهد نفس النجمة بنفس المكان.
لكنها ليست هناك، فهي فعليًا أعلى
من الشجرة بقليل، وإن نظرت غربًا،
ستلحظ أن النجوم التي كانت بعيدة في الأفق
بعد غروب الشمس الأسبوع الماضي، أصبحت منخفضة.
وإن انتظرت شهرًا، سيتضح هذا الأمر أكثر؛
كل الكوكبات الجديدة
ستكون في السماء بعد الغروب.
وذلك لأن الأرض تدور حول الشمس
لتغير موقع رؤيتنا للسماء بالمعنى الحرفي.
تستغرق الأرض سنةً لتدور حول الشمس مرة واحدة.
فتتحرك قليلًا كل يوم بمحاذاة مدارها.
وحين تفعل ذلك، من منظور الأرض، تبدو النجوم
البعيدة كأنها تغير مكانها القريب عن الشمس.
لذا، ربما تشاهد نجمةً قريبة من الشمس يومًا ما،
لكن زاوية قربها تكبر في اليوم التالي.
في مرحلة ما، بعد رؤيتها بـ6 أشهر، باتت النجمة
في الجهة المقابلة من الشمس في السماء.
ثم تتقلّص الزاوية مجددًا
مع اقترابها من الشمس من الجهة الأخرى،
حتى تتكرر الدورة بعد عام كامل.
وذلك يعني لك كمشاهد بالعين المجردة أن النجوم
تظهر وتغيب بأوقات مختلفة على مدار السنة.
فالنجوم في الشرق تظهر
بتقدم 4 دقائق عن الليلة الماضية
والنجوم في الغرب تغيب قبل أربع دقائق.
الكوكبة التي كانت أسفل الأفق الشرقي
عند غروب الشمس لشهر ما
قد تصبح مرئية تمامًا
بعد غروب الشمس في الشهر التالي.
وهناك طريقة أخرى للتفكير في الأمر
وهي أن النجوم تبدو ثابتة
وبينما تدور الأرض حول الشمس،
تتحرك الشمس بين النجوم على مدار السنة،
وتُكمل دورة واحدة حول السماء مرة كل سنة.
المسار الذي تسلكه هو انعكاس لمسار
الأرض حول الشمس، وهو خط في السماء.
ونطلق عليه فلك البروج.
ما يعني أن الشمس تمر
بنفس مجموعة الكوكبة في السماء سنويًا.
ونُطلق عليها اسم خاص: دائرة البروج.
فكل عام خلال شهر معيّن،
تظهر الشمس ضمن دائرة بروج معيّنة،
من القوس نحو العقرب والميزان
والعذراء والأسد والسرطان وبقيتها.
في النهاية بعد عام، تعود الشمس
إلى القوس وتبدأ الدورة من جديد.
رغم أننا نتكلم عن هذه العملية
من حيث حركة الشمس،
إلا أنه في الواقع، المسار الذي تقطعه الأرض
هو الذي يُحدث هذه الحركة، وتتغير رؤيتنا معه.
كما أن الكواكب تتحرك في السماء أيضًا. عطارد
والزهرة والمريخ كلها تدور حول الشمس أيضًا،
وتفعل بذلك على نفس مستوى الأرض نسبيًا.
إن استطعت مشاهدة النظام الشمسي
من الجانب فسيبدو منبسطًا!
فمن منظورنا على الأرض،
تدور الكواكب حول السماء على مدار سنة.
ويبدو أيضًا أنها تغيّر موقعها
بالنسبة إلى الشمس والنجوم.
تتنقل الكواكب الداخلية، كعطارد والزهرة بسرعة
لدرجة أن تشاهد حركتها بعد ليلة واحدة.
الكواكب الخارجية متأنية أكثر،
لكن إن انتظرت لوقت كافٍ
فستراها أيضًا تنزلق عبر مجموعة الكوكبة.
بالمناسبة، كلمة “كوكب”
تعني “هائم” باليونانية.
وهناك جانب آخر لهذا ستلحظه مع الوقت.
ربما شاهدت مجسمًا للكرة الأرضية
ولاحظت أن محورها مائل،
أي أنها ليست عامودية الشكل.
وذلك لأن المجسم يُجسد الأرض،
والأرض نفسها مائلة.
تدور الأرض حول محورها مرة واحدة يوميًا
وتدور حول الشمس مرة واحدة في السنة.
محور الأرض مائل من ناحية
مستواها المداري بنسبة 23.5 درجة،
ولهذا تأثير عميق على كوكبنا.
تخيّل للحظة أن محور الأرض كان عاموديًا تمامًا
على مدارها، على خط مستقيم.
لو كان الأمر هكذا، ستدور الشمس يوميًا
في نفس المدار كل يوم حول السماء.
وإن كنت على خط الاستواء،
ستشرق الشمس وترتفع للأعلى ثم تغيب.
وإن كنت في القطب،
ستظهر الشمس حول الأفق كل يوم،
دون شروقها أو غيابها، وستبقى في حالة الغسق.
لكن ذلك ليس صحيحًا،
فالأرض مائلة. وفي شهري يونيو ويوليو،
يميل قطب الأرض الشمالي باتجاه الشمس.
وبعد ستة أشهر، يتجه بعيدًا عنها.
وهذا يؤثر على المسار
الذي تسلكه الشمس في السماء.
وبدلًا من سلكها نفس المسار كل يوم،
في صيف الجهة الشمالية
حيث نكون مائلين نحو الشمس،
يرتفع مسار الشمس في السماء.
ولأن ذاك المسار أطول
ستكون فيه الأيام أطول أيضًا.
بعد ستة أشهر، في ديسمبر ويناير،
يميل قطب الأرض بعيدًا.
وينخفض مسار الشمس في السماء،
ولأن المسار أقصر تكون مدة الأيام أقصر كذلك.
وهذا سبب وجود الفصول!
حين تكون الشمس بأعلى السماء
فهي تُشرق على الأرض مباشرةً وتُسخنها أفضل،
وأمامها وقت أطول لذلك لأن الأيام أطول.
فتصبح ساخنة.
تنعكس الآية في فصل الشتاء: تنخفض الشمس،
فلا يمكنها تسخين الأرض بنفس الفعالية،
ويقل الوقت الذي يلزمها لذلك،
فيصبح الجو باردًا.
وهكذا تتكون الفصول.
محور الأرض مائل وإلا لما تغيرت الفصول
ولما تغيرت حرارة الأرض من شهر لآخر.
هناك فكرة شائعة خاطئة بأن فصول الأرض موجودة
لأنها تدور حول الشمس بشكل بيضاوي.
فتكون قريبة من الشمس
في الصيف وبعيدة عنها في الشتاء.
صحيح أن المدار بيضاوي الشكل،
إلا أن الأرض أقرب إلى الشمس في يناير،
بما يُعادل 5 ملايين كم تقريبًا،
أكثر من قربها في يوليو
فزاوية أشعة الشمس هي التي تجعل من الشتاء
باردًا والصيف حارًا، وليس بعدنا عن الشمس.
قد تعرف أيضًا أنه عند حلول الصيف
في نصف الكرة الشمالي،
يحل الشتاء في الجنوبي. وحين يميل القطب
الشمالي نحو الشمس، يميل القطب الجنوبي بعيدًا،
إذا فإن فصول نصفيّ الكرة
الشمالي والجنوبي معاكسة لبعضها.
لكن لا شيء يبقى على حاله في علم الفلك. فالقطب
الشمالي لن يبقى موجهًا نحو الشمس في يونيو
ونجم الشمال، لن يبقى نجم الشمالي دائمًا.
وذلك لأن محور كوكبنا يتحرك في الواقع.
هل سبق وشاهدت لعبة بلبل وهي تتأرجح،
ومحورها يتحرك في دائرة بطيئة
مع أن رأس اللعبة نفسه يلف؟ يُطلق عليها
حركة المداورة والأرض تقوم بها أيضًا،
فتدور على محورها مرة في اليوم،
لكن المحور يتأرجح ما يكوّن دائرة بطيئة جدًا
يتطلب إكمالها 26 ألف سنة.
وهذا يؤثر بالكثير مما نشاهده في السماء،
نجم الشمال مثلًا لن يبقى نجمًا قطبيًا!
فالقطب يبتعد قليلًا كل عام عن تلك النجمة،
يكوّن دائرة كبيرة عرضها 47 درجة. وكان الثعبان
هو النجم القطبي عند قدامى المصريين
وبعد 11 ألف عام تقريبًا
ستحتل كوكبة النسر الواقع الساطع هذا الموقع.
كما أن تاريخ وجود الشمس
في دائرة البروج المحددة تتغير ببطء
بسبب حركة المداورة كذلك. وحين خرج العلماء
بهذه الفكرة أولًا، كانت الشمس في برج الحمل
في 22 مارس، أو الاعتدال الربيعي،
وما يطلق عليه البعض بأول أيام فصل الربيع.
لكن وبسبب حركة المداورة، انتقلت الشمس
إلى برج الحوت! ولهذا لا تتطابق أبراجك الفلكية
مع موقع الشمس الفعلي في السماء،
فقد تغيّرت بعد مرور ألفا عام من حركة المداورة،
وهو أحد أسباب كثيرة تجعل علم التنجم سخيفًا.
إنه شيء مذهل: الأرض
والشمس والنجوم
تتيح لنا تحديد الوقت والتوقيت السنوي
فقط عبر النظر إليها والتركيز فيها.
لهذا كانت النجوم مهمة جدًا للإنسان القديم.
فكانت النجوم كساعة وتقويم في السماء،
قبل أن نخترعهما بمدة طويلة.
تعلمنا الكثير حول السماء فقط بالنظر إليها.
وقد تعلمنا بعض الأشياء التي شرحتها
عبر وسائل أخرى طبعًا، كدوران الأرض
واللمعان الداخلي المختلف
لبعض النجوم، الى آخره.
لكن كل هذه المعرفة والكثير غيرها،
شرع بها أشخاص خرجوا للبحث عنها.
وحين طبقنا للرياضيات والفيزياء
على ما رأيناه عرفنا أكثر عنها،
وتمكنا من العودة لشرح ما شاهدناه.
لذا لا تستهن بعلم فلك عبر العين المجرّدة،
فقد كانت وسيلة استكشافنا الوحيدة لآلاف السنين.
بل أرى أننا فقدنا شيئًا
حين بدأنا نستخدم الساعات والتقاويم
وانتقلنا إلى مدن بأضواء ساطعة
أشاحت النظر عن النجوم من السماء.
كان هؤلاء القدامى مرتبطون بالسماء
وكانوا يعرفونها كما تعرف شوارع حيك.
فيُمكنهم رؤية بزوغ النجوم وغروبها
ويقدرون عظمة درب التبانة وهي تمدد في السماوات
حتى لو لم يعرفوا ما هي بالضبط.
نحن نعرف ما هي الآن بفضل معرفتنا
المكتسبة على مدى قرون.
لكن ذلك كان على حساب بفقدان صلتنا مع السماء،
وأن لا نعيش تحتها كما كنا سابقًا.
لقد أمضيت آلاف الساعات من حياتي في الليل
وأنا أنظر للسماء وأراقب النجوم وأتأمل الكون.
والأشياء التي شهدتها شكّلت حياتي
وغرست في ذهني شعورًا
لا ينتهي من الدهشة والبهجة.
الكون ملكٌ لنا جميعًا،
فاخرج واستمتع بحصتك فيه.
تحدثنا اليوم عن دورات النجوم،
فمع دوران الأرض حول الشمس، نشاهد نجومًا
تُشرق وتغيب بأوقات مختلفة، وتتحرك الشمس
بالتوازي مع خط في السماء يُدعى فلك البروج
عبر مجموعة من الكوكبة اسمها البروج،
وهي انعكاس لحركة الأرض حول الشمس
وعرفنا أن الكواكب تتحرك
بمحاذاة مسار الشمس تقريبًا كذلك،
وأن سبب حدوث الفصول يعود لمحور الأرض
إضافة لدورانه السنوي حول الشمس.
تم إنتاج البرنامج بالاشتراك
مع استوديوهات PBS Digital.
أنا فيل بليت كتبت هذه الحلقة،
وقام بتحرير النص بليك دي باستينو،
ومستشارتنا هي الدكتورة ميشيل ثولر.
ساهم في إخراجها نيكولاس جنكينز ومايكل أراندا،
وفريق الرسومات هو Thought Café.