بينما ننطلق في جولتنا في النظام الشمسي
هنا في Crash Course Astronomy
لن نتطرق إلى الكويكبات الآن
ولكنّنا سنفل لاحقًا، أعدكم بذلك.
سنتكلم بدل ذلك عن ملك الكواكب
وأكبرها وأهمها وأبرزها وسيدها
هو بالطبع كوكب المشتري.
المشتري هو أكبر كوكب في النظام الشمسي
ولا يقربها حجمًا حتى.
فحجمه يتسع للكواكب الأخرى جميعًا وأكثر.
إنه عملاق غازي،
ذلك يعني أنه غازي وعملاق.
وأعني عملاقًا بالفعل، فقطره يساوي 11 ضِعف
قطر الأرض ويسع أكثر من ألف أرض داخله.
كتلته أكبر بـ300 مرة من كوكبنا.
ورغم حجمه إلا أنه يدور بسرعة كبيرة:
فطول اليوم الواحد على المشتري 10 ساعات.
وتلك أكبر سرعة دوران
لأي كوكب في النظام الشمسي.
ومن الطبيعي أن يعكس كوكب بهذه الضخامة
الكثير من ضوء الشمس.
فرغم أنه يدور حول الشمس
بمتوسط مسافة 800 مليون كيلومتر
إلا أنه من أكثر الأجسام سطوعًا.
يبدو المشتري رائعًا بالمِنظار أو المِقراب
ويمكن رؤيته بوضوح على شكل قرص
كما تظهر أقماره الأربعة الأكبر بوضوح.
ولو لم يُخفيها وهج الكوكب لشوهدت بالعين.
اكتشف جاليليو هذه الأقمار بنفسه.
إنّها عوالم بحد ذاتها
ولذلك سنتعمق فيها وبالمعنى الحرفي
في الحلقة القادمة.
ولا نرى سطح المشتري عند النظر إليه
بل نرى قمم غيومه
وهي مزيج من الثوابت والمتغيّرات.
تطوّق غلاف المشتري الجويّ
خطوط متعددة توازي خط استوائه.
تدعى الخطوط ذات اللون الأفتح “مناطق”
وتدعى الخطوط ذات اللون الأغمق “أحزمة”.
إنها مستقرة إلى حد ما
رغم تغير شكلها ولونها بمرور الوقت.
تدور المناطق والأحزمة باتجاهات معاكسة
وتنشأ بالحمل الحراري في الغلاف الجوي.
تبرد موجات الهواء المتقلّبة مشكلةً غيوم
نشادر: فيُنشئ ذلك المناطق فاتحة اللون.
ويتدفق ذلك الهواء إلى الجوانب وينخفض
وتغيّر أشعة الشمس تركيبة الغيوم
فتشكل جزيئات
تلوّن الهواء بالأصفر والأحمر والبني.
وهذا ما يولّد الأحزمة الأغمق لونًا.
في مايو 2010، انخفض أحد أكبر أحزمة
المشتري لدرجة أنّه اختفى تمامًا عن الأنظار
وغطّته الغيوم الأخرى
ثم عاد للظهور بعد بضعة أشهر،
تمامًا كما كان سابقًا.
وحدث ذلك عدة مرات في الماضي أيضًا.
رأيت حادثة كهذه عبر المِرقَب
وبدا المشتري غريبًا جدًا وكأنه مائل.
وقد تولّد اضطرابات المناطق والأحزمة
عواصف ودوّامات هائلة وهائجة في الغيوم.
تنتشر العشرات منها على سطح المشتري
ولكنّ واحدة منها فقط تطغى على الجميع:
وهي البقعة الحمراء العظيمة.
إنها عاصفة هائلة تناسب الكوكب العملاق.
إنها في الواقع إعصار جبار
أكبر بعدة مرات من الأرض بأكملها
وتبلغ سرعة رياحها 500 كم/الساعة. وهي
قديمة، رأيناها أول مرة في أواخر القرن 17
تخيلوا أن تستمر عاصفة على الأرض
أكثر من ثلاثة قرون!
وقد تكون أكثر قِدَمًا
إذ أننا لم نراها إلا في القرن الـ17.
لماذا هي مستقرة؟ تبيّن أن الدوامة
وهي المنطقة التي تدور في السائل
قد تستمر إن كان السائل حولها يدور.
فدوران المشتري السريع
هو ما يحافظ على دوران البقعة الحمراء.
وسبب اللون الأحمر جزيئات شبيهة بالسيانيد
تمتص اللون الأزرق وتمرر الألوان الحمراء.
الغريب هو أن البقعة الحمراء تتقلص
فقد كانت أكبر وأطول بكثير قبل عقود.
كما أنّ لونها تغير مع الزمن من الأحمر
إلى البرتقالي الوردي ثمّ إلى الأحمر.
لا يعلم أحد
سبب تغير شكل البُقعة وحجمها ولونها
ولكنّني أشك في إمكانية اختفائها قريبًا
نظرًا إلى قِدَمِ عمرها.
تذكروا أن ما نراه من المشتري دائمًا
هو قمم غيومه،
فغلافه الجوي كثيف
وعمقه مئات الكيلومترات.
تتألف تركيبة هوائه كالشمس
من الهيدروجين والهيليوم في المُجمل
ولكنّها مليئة أيضًا بالنشادر والميثان
وغيرها من الغازات السامة.
يزداد الضغط في غلاف المشتري
بازدياد العمق
ولكنّ هذا الكوكب
لا يمتلك غلافًا سطحيًا حقيقيًا.
فغازاته تزداد كثافة وحرارة بالعمق
لتتحول في النهاية إلى سائل
يمتد مئات الكيلومترات تحت الغيوم.
وتزداد الأمور غرابة تحت السائل،
فبدل طبقة الدثار كما في الكواكب الصخرية
للمشتري منطقة ضخمة
تتكون من الهيدروجين المعدني السائل.
ونظن أن الهيدروجين غاز
أو أنّه يتحول إلى سائل إذا برد كثيرًا
ولكنّ الهيدروجين يتعرض إلى تحول غريب
بفعل الضغوط الهائلة في أعماق المُشتري،
فالذرات تبدأ بالتشارك بالإلكترونات،
ويُصبح الهيدروجين موصلًا للكهرباء
ويتمتع بخصائص أخرى أشبه بالمعدن.
كما أن هذه المادة ساخنة
وقد تصل حرارتها إلى 10 آلاف درجة
أي أكثر من سطح الشمس.
ولو كنا نستطيع أن نراه
لرأيناه شديد السطوع.
وأخيرًا، تتوسطه نواة كثيفة
قد تتألف من الصخور والمعادن.
ونحن لا نعلم تمامًا
لأنّ من الصعب فهم فيزياء وكيمياء المواد
المحبوسة في تلك الضغوط ودرجات الحرارة.
الأغرب أننا غير متأكدين
إن كان للمشتري نواة، فإن كانت له نواة،
يُحتمل أنها تآكلت جرّاء تيارات الهيدروجين
المعدني الساخن في أوائل مرحلة تشكيله.
كما ومن الممكن أيضًا
أن لا يكون للنواة وجود منذ البداية.
تكون النظام الشمسي من قرص غازات وغبار
وتشكلت الشمس في وسطه.
ويعتقد أن الكواكب تشكلت
كجسيمات أصغر من مواد التصقت ببعضها
أثناء الاصطدامات العشوائية
التي حصلت على أطراف القرص
ومع ازياد حجمها بشكلٍ كبير،
بدأت هذه الكواكب الأولية تنمو بسرعة أكبر
عبر سحب المواد من حولها بفعل جاذبيتها.
تشكل المشتري في الجزء الأكثف بالمواد
وربّما تشكّلت عدة كواكب أولية أكبر
فتصادمت والتصقت ببعضها
لتبدأ رحلة نموّ المشتري فعليًا.
في هذه الحال،
بدأ المشتري كنواة معدنية صخرية
كبرت إلى أن سحبت الغاز
الذي جعل الكوكب عملاقًا كما نراه اليوم.
ويفيد رأي آخر بأن المشتري
لم ينمو من الأسفل إلى الأعلى بل العكس.
وأن القرص انهار في عدة أماكن
ليشكل كتلًا ضخمة ومنتفخة
اصطدمت وعلقت وكونت الكوكب.
إن كان ذلك ما حدث
فربما لم يكن للمشتري نواة على الإطلاق.
تولِد هاتان الآليتان المختلفتان
احتمالات مختلفة حول تركيبة المشتري
ونأمل أن نتمكن يومًا ما من معرفة الاحتمال
الصحيح بدراسة المشتري بدقة أكبر.
لكننا لا نعلم تمامًا في الحاضر
في أي حال، كَبُر المشتري بشكلٍ هائل ويتألف
بأغلبه من السوائل تحت الغلاف الجوي.
أدّى ذلك كما دورانه السريع
إلى تسطحه بشكل واضح.
فهو أوسع عند خط الاستواء من القطبين
بـ6% تقريبًا بفعل القوة الطاردة المركزية.
المشتري إذًا كوكب كبير للغاية
ولكن هل كان على وشك التحول إلى نجم؟
يسألني البعض أحيانًا
إذا كان المشتري “نجمًا فاشلًا”
أي إن وصل أثناء تشكله إلى حجم هائل
يؤدي إلى اندماج نووي وسطه، ويحوله لنجم.
أرى ذلك كثيرًا على البرامج التلفزيونية
وفي المقالات ويغضبني بالفعل.
عندما يتشكل نجم، يبدأ انصهار الهيدروجين
عندما يجمع النجم كتلة كبيرة
تسمح لجاذبيته بضغط الذرات معًا في النواة
بقوة تكفي لانصهارها.
يحدث ذلك عندما يتمتع النجم
بحوالي 1/12 من كتلة الشمس
فللنجوم الأصغر التي نراها
مثل تلك الكتلة.
ماذا عن المشتري؟
تبلغ كتلته حوالي 1/1000 كتلة الشمس،
أي أنها كتلة صغيرة جدًا
لينشأ أي انصهار في نواته،
يلزم تحويل المشتري
إلى نجم عملية صعبة للغاية:
يجب إضافة 80 كوكبًا موازيًا
إلى كوكب المشتري.
من الظلم قول إن المشتري نجم فاشل.
فهو ليس كذلك. هو كوكب ناجح.
المشتري ليس نجمًا
لكنه يتمتع بخاصية أخرى
فهو يبعث حرارة أكبر من تلك
التي يتلقاها من الشمس.
تتمتع الأرض وسائر الكواكب الصخرية
بتوازن حراري مع الشمس:
تبعث مقدار الحرارة نفسه تقريبًا
الذي تتلقاه ولكن المشتري مختلف
بدأ يبرد بعد تشكله عبر بعث الأشعة
بعيدًا من أعلى غلافه الجوي.
يتكون الكوكب بأغلبه من الغاز
والغاز يتقلص بالبرودة،
فيبرد الغلاف الجوي ويتقلص
ما يزيد الضغط داخل الكوكب فترتفع حرارته
وتنتقل هذه الحرارة بعيدًا
عن المشتري على شكل أشعة تحت الحمراء.
وكمية الحرارة التي يبعثها المشتري
أكبر من تلك التي يتلقاها من الشمس.
وهو لا يزال يبرد
بعد 4.5 مليار سنة من تشكله.
أتتذكر الأحزمة والمناطق والخطوط المرئية
في غلافه الجوي وكل العواصف على سطحه؟
تحركها بالأغلب حرارة المشتري الداخلية.
على الأرض، تتحكم حرارة الشمس بالطقس
لكن يحصل الطقس على طاقته من الكوكب نفسه.
للمشتري حقل مغناطيسي قوي جدًا
لا شك بسبب الهيدروجين المعدني داخله
ودورانه السريع.
وكالأرض له هالات في قطبيه
تنتج بوصول الرياح الشمسية لقمم الغيوم.
سنرى الأسبوع المقبل
كيف تؤثر أقمار المشتري
على الحقل المغناطيسي والهالات حوله.
للمشتري أيضًا حلقة
لكنها ليست بكبر حلقة زحل.
ولم تُكتشف إلى أن أرسلنا سوابير فضائية
إليه. تتكون الحلقة من الغبار
والتي ألقيت في مدارها حول الكوكب
بسبب اصطدامات النيازك على أقماره الأصغر.
بالحديث عن الاصطدامات، نعلم
أن حطام الكواكب غالبًا ما يصطدم بالأرض.
إذا خرجت إلى الشارع لساعة
لا بد أن ترى بعض النيازك.
والمشتري أكبر وجاذبيته أقوى، والاصطدامات
فيه أكثر بكثير وهي أحيانًا عنيفة للغاية.
في 1994، اصطدم المذنب شوميكر-ليفي 9
بالمشتري عدة مرات.
أدت قوى مد وجزر الجاذبية الشديدة
إلى تقسيم المذنب إلى عشرات القطع،
اصطدمت كل منها بالكوكب واحدة تلو الأخرى،
وبقوة مليون قنبلة ذرية
وبقيت الندوب في الغلاف الجوي العلوي عدة
أشهر والتي خلّفتها أعمدة المواد المتفجرة.
شوهدت منذ ذلك عدة اصطدامات
أصغر في غلاف المشتري الجوي
وهو يتعرض إلى اصطدام كبير
يمكن رؤيته من الأرض كل سنة تقريبًا.
قد تبدو الفكرة مخيفة، لكن قد يكون
المشتري ما يخلصنا. إذ يسود مفهوم يقول
إنّ جاذبيته تسحب المذنبات التي تسقط داخل
النظام الشمسي وترميها بعيدًا في الفضاء.
على مدى دهور، تخلص ذلك
من عدة أجسام خطرة كانت ترتطم بالأرض.
ومن ناحية أخرى، يميل المشتري
إلى تحوير مدارات بعض المذنبات الأخرى
بحيث تتجه نحو الأرض
ويصعب القول
إن كان تأثير المشتري مكسبًا أم لا.
ولكن في الحالتين، لا شك
في أنه عملاق عمالقة النظام الشمسي.
اليوم تعلمت أن المشتري كبير حقًا
وهو أكبر كوكب في نظامنا الشمسي
وهو عملاق غازي. غلافه الجوي ديناميكي
يشمل أحزمة ومناطق وفيه بقعة حمراء عملاقة
هي في الواقع إعصار مستمر.
وحرارة المشتري مرتفعة منذ تشكله
وداخله مؤلف بمعظمه من الهيدروجين المعدني
وقد لا يمتلك نواة حتى.
يدور بوتيرة أسرع
من أي كوكب آخر وهو ليس نجمًا فاشلًا.
يتم إنتاج Crash Course Astronomy بالاشتراك
مع PBS Digital Studios.
زوروا قناتهم لفيديوهات رائعة أخرى.
هذه الحلقة من كتابتي فيل بلايت
وحرر النص بلايك دي باستينو
وباستشارة د. ميشيل ثالر.
الحلقة من إخراج نيكولاس جينكينز
ومايكل أراندا ومونتاج نيكول سويني
والرسومات من إعداد Thought Café.