والآن جاء دور آخر كوكب يُرى بالعين
المجردة في النظام الشمسي، ألا وهو زحل.
إنه ثاني الكواكب حجماً
لكن المفارقة الساخرة هي أنه الأقل كثافة،
بل إننا إن وجدنا حوض استحمام يتسع له
فإنه سيطفو بسهولة على سطح الماء
ولكنه سيخلف وراءه حلقة.
يطفو كوكب زحل لأنه كوكب غازي
أي أن غلافه الجوي سميك،
يرجح أن لبه الكون من الصخور
يفوق حجم الأرض عدة مرات،
وهو محاط بالجليد والهيدروجين المعدني،
ثم نجد طبقة الغلاف الجوي العميق
المكون من الهيدروجين
مع كمية ضئيلة من الهيليوم
وغازات زهيدة كالميثان والأمونيا.
يتكون ثلثا كثافته من الماء،
لكنه لن يطفو فعلاً،
لأن جاذبيته ستسحب المياه من أي حوض،
ولكن في الواقع، إذا كان الحوض يتسع لكوكب زحل،
فستكون كتلته أكبر منه،
ولذلك ستسحب المياه الكوكب.
علم الفلك ممتع!
يدور زحل بسرعة كبيرة
ويكتمل يومه في 10 ساعات ونصف.
دوارنه السريع وكثافته المنخفضة يجعلانه مسطحاً
وأوسع من الوسط بنسبة 10%،
والفارق واضح عند مشاهدته بالمقراب.
الجزء المرئي من زحل هو قمم السحب
المكونة من ثلوج الأمونيا،
وغيوم المياه أسفلها،
والغلاف الجوي مثبت كالمشتري
لكنه باهت أكثر، ربما لأنه أبعد عن الشمس وأبرد
كما أن غلافه الجوي أعمق من غلاف المشتري.
لكن زحل معرض للأعاصير
بين الحين والآخر،
وقد هبت عاصفة ضخمة بالنصف الشمالي عام 2010،
واكتشفها عالم فلك هاوٍ، ثم ظهرت
في صور المركبة الفضائية “كاسيني”
وهي تحيط بالكوكب بكامله،
واستمرت آثارها لسنوات.
يمتاز زحل بالدوامة السدادسية في قطبه الشمالي
وهي شائعة في الأرض وفي زحل بشكلها المخيف،
لكنه ينتج عن دوران الهواء في جو الكوكب
ضمن دوران الكوكب نفسه.
الأمر مشابه للتيار النفاث في الأرض
لكنه أكبر بكثير،
وأوسع من الأرض بنحو 20 ألف كيلومتر.
وتمتد الأعاصير فوق قطب زحل الشمالي
على مساحة ألفي كم،
حيث تبلغ سرعة الرياح 500 كم في الساعة.
يعتبر زحل كوكباً مميزاً
وما يميزه هو الحلقة المحيطة به.
شاهد “غاليليو” حلقات زحل
ولكن ليس بوضوح يتيح له تحديد ماهيتها،
فظن أن زحل هو 3 أجسام متقاربة.
لكن العالم الهولندي “كريستيان هويغنز”
نجح في تفسيرها بعد عقود
حين اعتبرها حلقة تحيط بالكوكب.
لو كانت الحلقات صلبة لتحطمت
لدوران الجزء الداخلي بسرعة أكبر من الخارجي.
إنها مكونة من قطع مياه متجمدة نقية،
وكل جسيم يدور حول الكوكب وحده.
يحتل زحل المركز الأول في عدد الأقمار،
والمدهش في حلقاته هو أن عرضها 250،000 كم
وهي تغطي ثلثي المسفة بين الأرض والقمر،
لكنها رقيقة جداً ولا تتجاوز سماكتها 10 أمتار،
10 أمتار فقط!
هذا يعني أنها رقيقة إلى حد مذهل،
وإذا اعتبرنا أن حجم زحل يساوي حجم ورقة،
سيكون أكثر سماكة من الحلقات بـ10 آلاف مرة.
قد يتساءل المرء عن سبب كون الحلقات مسطحة،
والسبب مرتبط بأصلها، رغم أن أصولها مجهولة.
ربما كانت قمراً جليدياً
تمزق بسبب تصادم كبير،
وانتشرت جزيئات القمر المحطم حول زحل
وسرعان ما اصطدمت الجزيئات ببعضها
ثم قاربت مداراتها وتشكلت الحلقة،
وربما كان هناك قمر كبير قرب زحل
وهبطت صخوره إلى اللب
ليبقى الجليد قرب السطح،
وعندما اخترقت المواد حول زحل،
تمزقت طبقة الجليد
لتشكيل الحلقات الرقيقة.
هذه الاصطدامات تجعل الحلقة مسطحة
وبما أن زحل كوكب مفلطح،
ستتعرض الحلقات للجذب من خط الاستواء
وتتمركز في المنطقة الوسطى.
هناك 3 حلقات رئيسية تسمى أ، ب، ج
حسب ترتيب اكتشافها.
ب هي الأوسع وعرضها 26 كم،
وتقع الحلقة أ خارج ب،
بينما حلقة ج باهتة وتقع داخل الحلقة ب.
ظن العلماء في البداية
أن الحلقتين أ وب هما حلقة واحدة،
ثم اكتشف الفلكي الإيطالي
“جيوفاني كاسيني” فجوة بينهما
أصبحت تسمى شعبة كاسيني.
مساحتها 5000 كم ولكنها ليست فارغة
حيث أنها تضم عدة حلقات رفيعة.
هذه الفجوة ناتجة عن قمر “مايمس”،
وتدور جسيمات الجليد في شعبة كاسيني
حول زحل مرتين كلما دار “مايمس” مرة.
يسمى هذا بالرنين،
ويعني أن جاذبية “مايمس” تسحب الجزيئات
مما يخرجها من مدارها.
شكلت الأقمار عدة فجوات.
وهناك مئات الحليقات في الحلقات الرئيسية،
فالحلقة ف
الواقعة خارج الحلقة أ ضيقة جدًا
ويحافظ على ذلك القمران “بروميثيوس” و”باندورا”
اللذان يدوران داخل وخارج الحلقة
ويسحبان جزيئات الحلقة
لتحديد مسارها في مدارات معينة،
ومنع أي جسيم من الخروج.
يؤدي تفاعل الأقمار وجسيمات الحلقة
إلى تشكيل موجات مدهشة في الحلقات،
إذ عندما تدور أقمار صغيرة
حول زحل بمدارات مائلة قليلًا،
تتشكل موجات وانحرافات هائلة
قد تصل إلى ارتفاع بضعة كيلومترات.
هذا كوكب غريب، وأقماره غريبة.
بالإضافة إلى قمر “ميماس”
الذي حفر شعبة “كاسيني” بجاذبيته،
فقد تعرض لاصطدام
منذ زمن نتجت عنه فوهة كبيرة
جعلت المنظر مألوفاً.
لكن في زحل قمران مهمان،
أولهما “تايتن” وهو قمر عملاق
أكبر من عطارد، وليس أصغر بكثير من المريخ،
وثو ثاني أكبر قمر بعد قمر المشتري “غانيميد”.
إنه القمر الوحيد الذي يتمتع بغلاف جوي
أكثر سماكة من هواء الأرض،
لكنه ليس صالحاً للتنفس لأنه مكون من النيتروجين
وقليل من الميثان والهيدروجين،
ودرجة الحرارة 180 درجة تحت الصفر
وهذه برودة خطيرة جداً.
تمنع طبقة ضباب كثيفة رؤية السطح
بالضوء العادي،
لكن المركبة الفضائية “كاسيني”
التي تدور حول زحل منذ عام 2004
استخدمت الأشعة تحت الحمراء
والرادار لرسم خريطة للسطح
كما أطلقت مسبار “هويغنز” إلى سطح “تيتان”
في أول هبوط للبشرية
على قمر خارج النظام الشمسي.
لقد شاهدوا عالماً يشبه الأرض
لكنه غريب من جوانب عديدة،
ففيه كثبان شكلتها الرياح، لكنها مكونة
من حبوب هيدروكربونية وليس الرمال،
وآثار لبراكين تخرج الماء بدل الحمم
واسمها براكين الجليد
كما أن قياسات الجاذبية قادت إلى استنتاج
بأن “تايتن” يحتوي على محيط
من الماء السائل تحت سطحه.
هناك أيضاً قنوات متعرجة تثبت تدفق سائل ما،
لكنها ليست مياهاً؛ لأن سطحه بارد جداً.
رصدت كاسيني عدداً من المناطق المسطحة
قرب قطبي “تايتن”
وثبت أنها بحيرات من الميثان السائل،
وكان ذلك أول ظهور لسائل بعالم آخر.
تتغير سواحل البحيرات مع الوقت،
مما يعني أن الميثان يتحكم بالطقس
كالماء على الأرض.
الطقس والغلاف الجوي
والجزيئات العضوية القائمة على الكربون
كلها عوامل تشير إلى وجود حياة،
فالظروف مثيرة للاهتمام
والاحتمالية كذلك، رغم أنها ما زالت مجهولة.
هناك قمر آخر
يبحث فيه العلماء عن أشكال الحياة،
وهو “إنسيلادوس”، قمر جليدي بمساحة 500 كم
القريبة من مساحة ولاية “كولورادو”
أو جنوب “إنجلترا”، وهو قمر لامع جداً
يعكس الضوء الذي يلامسه
مما يشير إلى أنه مغطى بجليد الماء.
تتنوع تضاريسه بين الحفر والمناطق المسطحة
أي أن حدثاً ما أعاد تشكيله،
وهو مليء بالشقوق مثل قمر المشتري “يوروبا”.
توقع العلماء وجود براكين الجليد
وثبت ذلك عام 2005،
بعد رصد “كاسيني” ماء فواراً ينبثق
من القطب الجنوبي للقمر “إنسيلادوس”.
يتفجر الماء من الشقوق
العميقة الملقبة بـ”خطوط النمر”،
وهناك أيضاً محيط تحت سطح “إنسيلادوس”
ويحافظ المد والجزر على سيولته
حيث يضغطان على القمر وهو يدور حول الكوكب.
تمتد الأعمدة لمئات الكيلومترات من السطح
وقد اخترقتها “كاسيني” ورصدت جزيئات عضوية.
لا أحد يعرف
إن كانت هناك حياة على “إنسيلادوس”،
لكن أكثر مواقع مرشحة لذلك
هي “إنسيلادوس” و”يوروبا” و”تايتن”.
الغريب هو أننا كنا نبحث عن كواكب
ذات ظروف مشابهة لظروف الأرض،
لكن الأقمار الباردة قد تكون المكان الأمثل
لإيجاد حياة جديدة.
لزحل أقمارأخرى كثيرة وكلها تتميز بغرابتها،
قمر “آيابتس” يشبه حبة الجوز،
وتحيط بخط استوائه سلسلة من الجبال
ولا أحد يعرف كيف تشكلت. قمر “هايبريون”
يشبه قطعة من الفلين المليء بالثقوب
ولأن كثافته متدنية جداً،
فقد يكون مسامياً كالإسفنج.
وتدور معظم أقمار زحل باتجاه عكسي
مثل عدة أقمار للمشتري.
قد تكون كويكبات أو أجسام حزام “كايبر” وهي قطع
عملاقة من الجليد سنتحدث عنها في حلقة أخرى.
لكوكب زحل أكثر من 60 قمر مكتشف حتى الآن،
وبرأيي، إذا سألت أي رائد فضاء أو فلكي
عن سبب دخوله في هذا المجال
أو أول حدث ألهمه لدخوله،
ستجد أن السبب لدى معظمهم
هو رؤية زحل عبر المقراب.
هذا ينطبق علي، فأنا أتذكر أن والدي
اشتريا مقراباً متواضعاً في صغري
ثم نصباه خارج المنزل ووجهاه نحو زحل،
وأتذكر أنني رأيت
كوكباً جميلاً بحلقات صغيرة وزاهية
توحي بأنها غير حقيقية،
وما زلت حتى الآن أستمتع بمشاهدتها.
أحب مشاهدة ذهول الناس عندما يرونه لأول مرة،
فهذه من أروع المتع في الحياة.
زحل هو الكوكب الأروع،
فهو جميل الشكل ومليء بالمعلومات المشوقة.
تعلمتم اليوم أن زحل هو كوكب غازي
وأن حلقاته مكونة من جزيئات الجليد.
تحدث الأقمار قجوات بالحلقات بجاذبيتها.
ولدى زحل عشرات الأقمار بما فيها “تايتن”،
وهو بحجم عطارد
وله غلاف جوي سميك وبحيرات الميثان.
و”إنساليدوس” بمحيطه الجوفي والمياه الفوارة.
وقد تكون هناك حياة على الفمرين
رغم أن ذلك ليس مؤكداً.
يتم إنتاج Crash Course لعلم الفلك
بالتعاون مع استديوهات PBS Digital.
زر قناتهم وشاهد المزيد من الفيديوهات.
هذه الحلقة من كتابتي أنا، فيل بليت،
وحرر النص بليك دي باستينو،
ومستشارتنا هي د. ميشيل ثالر.
الحلقة من إخراج نيكولاس جنكينز ومونتاج
نيكول سويني، وفريق الرسومات هو Thought Café.